١٤٣٣/٠١/١٥

الانتخابات المغربية : الدروس والرسائل


 
     تابعنا نهاية الشهر الماضي الانتخابات النيابية المغربية التي تعتبر الاولى بعد التعديلات الدستورية التي أجراها ملك المغرب في الشهور القليلة الأخيرة، وما شهدته من شد وجذب، فانتخب من انتخب وقاطع من قاطع، وفي النهاية أعلنت النتائج وظهرت نسبة المشاركة وخرجنا جميعا بتصورات وأسئلة طرحناها قبل الانتخابات وسنحاول الإجابة عنها في مقالنا هذا، وهي التي كانت على الشكل التالي:
 ما هي الرسائل التي وجهها المخزن المغربي من انتخاباته النيابية ؟ والى من وجهت ؟ ومن هو ساعي البريد المكلف بنقلها ؟
     هي إذن انتخابات مغربية بامتياز، تلك التي جرت يومه الخامس والعشرون من نوفمبر 2011، انتخابات كان سياقها العام حراك شعبي عربي غير مسبوق وهرولة ملكية مرفوقة بحاشية فاسدة  اقتاتت لردح من الزمن على حقوق ومقدرات الشعب المغربي، فكان لا بد للمخزن المغربي من إخراج مسرحية هزلية جمهورها من المغرب والعرب والغرب.
    وتبعا لذلك فإن هذه الانتخابات كانت مجرد تنفيس للداخل المغربي من جهة ومن جهة أخرى مجاراة للربيع العربي الذي ظهر بوتيرة سريعة أذهلت الجميع فكان الحصاد أكثر مما تصور المتفائلون  والمتشائمون على حد سواء، إطاحة بأنظمة ودق ناقوس الخطر للبقية، فما كان من العاهل المغربي سوى إجراء ما سماه بإصلاحات وسماها الكثير من المغاربة الديمقراطيين مناورات وسميناها نحن الصحراويين بالشأن المغربي الداخلي الذي لايعنينا في شيء الا من زاوية حب هذا الشعب والاواصر التي تربطنا به من أخوة ولغة ودين ومستقبل مشترك، فكانت هذه الإصلاحات مجرد تعديلات دستورية حسب المقاس أشرفت عليها لجنة معينة وليست منتخبة، وبموجبها أجري استفتاء شعبيا عليها، انخرطت في الدعاية له معظم الأحزاب الكرتونية و الانبطاحية التي انبرت بشكل لافت إلى التطبيل والتهليل، كما ضبط المخزن نسبة المشاركة ونتائجها حسب مقاسه بحثا عن مشروعية مفقودة ومشاركة خيالية وإجماع مصطنع.
     فكان الشغل الشاغل للمخزن المغربي بعد تمرير دستوره الممنوح هو إجراء انتخابات يحقق من خلالها ثلاثية رضى الغرب وإلهاء المغاربة و تعطيل المد الثوري العربي ولو الى حين، فمن منا لا يتذكر الراحل الحسن الثاني عندما أشرفت مملكته على مرحلة " السكتة القلبية " حسب تعبيره هو نفسه، مما اضطره للاستنجاد بقوى المعارضة وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من أجل إخراجه من عنق الزجاجة وإطالة عمر حكمه ولو قليلا عبر عملية " حقن القصر بشرعية المعارضة" تحت مسميات " التناوب التوافقي" و " الانتقال الديمقراطي"، وبعد سنوات أثبتت التجربة فشلها فكان الملك هو المستفيد الأكبر، بينما دخل الحزب اليساري في حالة من الإفلاس السياسي استمر فيها إلى يومنا هذا.
   ولما انتهت صلاحية " جرعة التناوب" وجاء ملك جديد لايفقه في الحكم شيئا استعان بدوره من أجل الاستمرار في الحكم بالعديد من المسكنات تحت شعارات مغايرة من قبيل "العهد الجديد" و" المفهوم الجديد للسلطة" والإصلاحات ذات الخصوصيات المغربية، فتارة مدونة الأسرة وتارة الحكم الذاتي والجهوية الموسعة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي و المجلس الوطني لحقوق الانسان... وهكذا دواليك من المسكنات قبل أن تأتي ملحمة مخيم '' أكديم ازيك'' التي عرت الحقائق وأماطت اللثام عن حقيقة المخزن وحقيقة نواياه وانتهاكاته، فكانت هي الشرارة للربيع العربي الذي لم تسلم منه ساحات ومدن المملكة التي لم تعد تنفع مسكناتها في تنويم الشعب المغربي الذي خرج لكي لا يعود إلا بتحقيق مطالبه كاملة غير منقوصة، ولعل مسرحية الدستور والانتخابات ليست سوى قليل من كثير لا زال الشعب المغربي يرابط في الشوارع حتى تحقيقه.
شرع إذن المخزن في إجراء انتخابات قيل أنها " نزيهة"  وبنسبة مشاركة قاربت نصف المسجلين..؟ ومن خلالها ظهر المكشوف وبدا ساعي البريد ينشر رسائله إلى من يهمه الأمر.
 
اولا : على المستوى الخارجي:
       فالمملكة المغربية تاريخيا وحاضرا وعلى مايبدو مستقبلا لا يهمها الا ارضاء الخارج والتهليل الذي تجده  من أصدقائها الأوفياء كفرنسا، والمؤقتون كالولايات المتحدة الأمريكية والمتحولون كالجار الاسباني.
* الرسالة الأولى: إلى العالم العربي صاحب الفضل في ما يجري، فالبطل الجديد في انتخاباتنا حزب اسلامي نهجه يتقاطع مع حزب النهضة في تونس ويتماشى والمشهد السياسي في مصر، فالمغرب امتداد للعالم العربي والاسلامي ولا يمكن ان يكون حالة استثناء الا في مايريده المخزن أن يكون كذلك، وبالتالي فأي ظاهرة في هذه المنطقة ستمتد إلى المملكة المغربية أيضا، النتيجة كذلك فيها تماهي مع التجربة التركية هذا اللاعب الجديد في المنطقة، فوضع حزب العدالة والتنمية المغربي في الواجهة رغم الاختلاف الكبير بينه وبين نظيره التركي على الأقل سيكون آلية لكبح النمودج التركي الاخذ في الانتشار، إن لم يكن جلب للرضى من بلاد العثمانيين الجدد.
* الرسالة الثانية: إلى الغرب الداعي للإصلاح،  مفادها أن أي تسامح مع أي حراك داخلي سيؤدي حتما لتغيير بنية الحكم بهذه المملكة، وبالتالي عليه الاستعداد للأسوأ لأن الفائز الأكبر هم الإسلاميين، وما يشكلونه من خطر على نمط عيشه ومبادئه وأسس حضاراته ومستقبله وعلى مصالحه التي لا تتقاطع أبدا والتوجه الإسلامي يقوده من يقوده، فكلهم عدو للثقافة و النمط والمنهج الغربي، وشهادة العاهل المغربي عن حزب العدالة والتنمية المغربي التي نشرها موقع" ويكيلكس" تعد بمثابة الدليل القاطع على توجسه من الإسلام السياسي.
      وستبقى فزاعة الاسلاميين قائمة فالمغرب يضرب دوما لجلب التعاطف الغربي مع نظامه بما في ذلك تعطيل طموح الشعبين المغربي والصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، فيضرب على أوتار ثلاثيته المكشوفة وهي الإرهاب والمخدرات والهجرة السرية، والذي ظهر جليا أن هذا النظام منخرط و بشكل مباشر في صنع هذه الفزاعات.
 
ثانيا : على المستوى الداخلي:
وهذه رسالة ثالثة موجهة إلى الداخل المغربي، فالأحزاب المشاركة لا يهمها الا مصالحها الضيقة لذا فما أسماه هو باللعبة الديمقراطية كانت تخريجتها النهائية هي صيغة " رابح رابح " فما معنى ذلك؟
لقد نسج المخزن المغربي تعديلات على مقاسه واخرج مسرحية على نمطه كانت نتيجتها هي " رابح أيا كانت النتيجة"، فالتعديلات الجديدة تدعم مصالح الكل " من يشكل الحكومة ومن يتموقع داخل المعارضة" حسب تصريح أحد زعماء الأحزاب المغربية. ومن هنا ورغم زهو الانتصار الذي عبرت عنه قيادة حزب العدالة والتنمية المغربي فهي تعي جيدا انه لا يمكن لها أبدا تشكيلة حكومة بمفردها لأن النمط الانتخابي المعمول به في المغرب لا زال يقيد الأحزاب ويحرمها من الحصول على الأغلبية المريحة، وبالتالي لا يمكن لأي حزب بأي حال من الاحول أن يحصد اغلبية المقاعد حتى ولو غطى جميع الدوائر الانتخابية بالمملكة، وبالتالي سيضطر الحزب الفائز إلى الدخول في تحالفات وإتلافات تكون في الغالب غير منسجمة وآيلة للانفجار في أي لحظة، زد على ذلك أن الملكية هي المسيطر الحقيقي على كل صغيرة وكبيرة والمتحكم في مقاليد الأمور، والإصلاحات الدستورية الأخيرة ما هي إلا لعبة إعادة توزيع الأوراق بين الفرقاء أما اللاعب الحقيقي الذي بيده الحل والعقد ويدرك قواعد اللعبة هو الملك المغربي، فأية حكومة مهما كانت ستبقى عاجزة كل العجز عن تنفيذ برامجها، إنها إذن اللعبة السياسية بالمملكة المخزنية المغربية.
     ومن هنا ففوز حزب العدالة الكاسح يظهر جليا على أنه رسالة أخرى أبرقت لجماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة ورديفاتها من التنظيمات اليسارية وكلها ممثلة في حركة العشرين من فبراير التي تقود الحراك الشعبي، حيث سيتم إضافة لاعب جديد سينافس الجماعة الإسلامية المتشددة وسيكون عدو للتيارات اليسارية الجذرية وفي مواجهة مباشرة مع الحركة الشبابية، وفي الأخير فإن المخزن هو الرابح الأكبر من " لعبة ضرب الأطراف"، فحزب العدالة والتنمية بعد مرحلة قصيرة سيدرك أنه أدرج في الزاوية الخطأ ومصيره برمته سوف يحدد في الشهور القادمة، فمتى كانت الأحزاب المغربية تصفق لمنتصر في الانتخابات حتى تصفق وتعترف اليوم بفوز الحزب المذكور إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق مع القصر وأذنابه، والنتيجة في الأخير أن كل الأطراف منتصرة والخاسر الأكبر هو الشعب المغربي.
 حزب العدالة والتنمية سيحكم في النهاية والاندثار أو على الأقل الشلل السياسي هو مصيره لا محالة، وسيدرك في الأخير أن صانعو اللعبة التي انخرط فيها، هم من النوع المحترف في شل ارادة الشعوب وأن الأحزاب المخزنية الأخرى ستعاود أجلا أو عاجلا الجلوس على كراسي الشعب لتخدم مصالحها بالطرق التي تعيها جيدا. 
       اذا العدالة والتنمية الذي بارك التزوير الحاصل في الإصلاحات الدستورية الأخيرة هو الذي هدد بمراجعة آليات عمله في حالة عدم فوزه في الانتخابات وبالانضمام إلى حركة عشرين فبراير لقيادة النضال من اجل الإصلاح ومحاربة الاستبداد، فهل جازاه المخزن على مواكبته لخطاه اللااصلاحية  بالفوز بالانتخابات الأخيرة وبعدد من المقاعد فاجأت الحزب هو نفسه ؟  أم هي حتمية التهديد والوعيد التي انتهجها الحزب قبل الانتخابات الأخيرة ؟
      كلنا يقين أن ما يجري اليوم بالمملكة المغربية ما هي إلا جرعات ينفثها القصر في جسمها من اجل استمرارية الحياة السياسية، ولنا في تجربة " التناوب"  في تسعينيات القرن الماضي برهان ودليل، أما ما يعنينا نحن الصحراويين من هذه الانتخابات، فهي نسبة المشاركة في الجزء المحتل التي لطالما هلل بها المخزن المغربي في دعايته ليضرب بها عصفورين بحجر واحد، نسبة مشاركة عالية تؤيد أطروحاته وانخراط صحراوي في مشهده واستحقاقاته، فهذه المرة عجز عن إعلان نتائجها أمام الملأ، فمن سيصدقه اليوم..؟ حراك سياسي واجتماعي في المنطقة، تفكيك دموي لمخيم " اكديم ازيك"، انتهاكات دموية بالداخلة المحتلة وانتشار الوعي التحرري في كافة مفاصل الجسم الصحراوي، فزمن الألاعيب قد ولى وتزوير الحقائق قد دقت الانتفاضة وملحمة مخيم " اكديم ازيك" أخر مسمار في نعشه وفي ذلك عبر لمن يعتبر.
 
الكاتب من المناطق المحتلة:
سيدي محمد عمر

0 comentarios:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Blogger Templates